مساجد البلدة القديمة في مدينة القدس
مساجد البلدة القديمة في مدينة القدس
جامـع عمـر بـن الخطـاب
يقع في حارة النصارى إلى الجنوب من كنيسة القيامة، مطلاً على ساحتها تحديداً؛ وذلك وسط حيز حيوي يزدحم بالزوار المسيحيين والمسلمين والمحال التجارية المتخصصة ببيع التحف والأزياء الشعبية. ويعد هذا المسجد أبرز رمز إسلامي وخير شاهد على تسامح العرب المسلمين، وتعايشهم مع سواهم من أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى. وهو يقوم في الموضع الذي صلى فيه الخليفة عمر بن الخطاب”رضي الله عنه” عندما فتح القدس ومنح وثيقة التسامح الشهيرة لأهلها من النصارى عام (16هـ/ 638م)؛ لذا نسب إليه منذ تأسيس الملك الأفضل له في سنة (589هـ/ 1193م). وقد اعتنى المسلمون بهذا المسجد عبر تاريخهم الطويل؛ ففي سنة (870هـ/ 1465م) تم تأسيس مئذنته المربعة الشكل والجميلة التكوين؛ وتميز بناؤه بالمتانة في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ويرجح أنه أضيف إليه مدخل تذكاري محفور.
وبصورة عامة، تحفل سجلات محكمة القدس الشرعية بإشارات حوله، حيث تفيد تحديد موقعه وتولي العائلات المقدسية لوظائفه.
أما اليوم فيتوصل إليه على إحدى عشر عتبة تقود الزائر إلى ساحة مكشوفة ومزروعة بالورد والكروم. أما بيت الصلاة فتغلب البساطة على شكله؛ وهو مغطى بأقبية متقاطعة تشكل جملونأً يقوم على ثلاثة أعمدة من الداخل، ويشغل مساحة متوسطة مقارنة مع المساجد الأخرى؛ ويبلغ أقصى ارتفاع له نحو أربعة أمتار تقريباً من الوسط. وقد فتح في واجهته الجنوبية محراب يتكون من حنية يعلوها نقش تذكاري حجري، يعود للبناء الذي يعلو المسجد. وقد جرى في سبعينيات القرن العشرين الماضي، تبليط جدرانه من الداخل بحجر المنشار لمنع الرطوبة، وأضيف إليه لاحقاً مكتبة لا بأس بها، ودورة مياه حديثة.
مسجد الشيخ ريحان
يقع في حارة السعدية في الجهة الشمالية الغربية من المسجد الأقصى المبارك تجاه باب الغوانمة، إلى الشرق من عقبة تحمل اسمه، وتحديداً في راس عقبة المولى (عقبة الراهبات). ينسبه عامة الناس إلى الصحابي أبي ريحانة الأزدي، الذي نزل القدس بعيد فتحها عام (16هـ/ 638م)، وعاش ودفن فيها.
يرجع البناء إلى فترة سابقة لم تحدد؛ لكن الدكتور محمد غوشة بيّن في إحدى دراساته أن أصله مسجد ومدفن، يعرفان بـ”زاوية الشيخ علي الخلوتي” الذي دفن فيه في عام (940هـ/ 1533م)؛ حيث تتبع شؤونه في سجلات محكمة القدس الشرعية من حيث إعماره ووظائفه المختلفة التي تولاها أفراد من عائلات مقدسية منها: آل غُضية، والصاحب؛ كما تناولت أوقافه التي ذكر منها دارين مجاورتين له. بالإضافة إلى أنه بين أن اسم صاحب المدفن قد تغير أواخر العهد العثماني، وأصبح يُعرف بـ(الشيخ ريحان) بعد أن تبددت أوقاف الشيخ علي الخلوتي، وتغيرت معالم زاويته. ويميل إلى أن الشيخ ريحان المنسوب إليه هذا المسجد هو الشيخ ريحان السعدي (أحد رجالات حارة السعدية الذين دفنوا في هذا المكان).
وتشير دراسة الباحث فهمي الأنصاري إلى ترميم جماعة من أهل الخير البناء وتحويله إلى مسجد في عام 1977م. وفي عام 1982م شكل أهالي حارة السعدية لجنة لترميمه وإصلاح محرابه وتوسيعه، وهو ما استكملته دائرة الأوقاف في القدس في عام 1991م.
ويُتوصل إلى المسجد من باب غربي أسفل واجهة حجرية معقودة على عمودين متقابلين أو أكثر (بائكة أو ميزان) من الطراز العثماني المتأخر. ويعلو الباب قوس محدّبة تشبه الأقواس المموجة التي شاع استخدمها في القدس منذ العهد الأيوبي، نقش في منتصفها مطلع سورة المؤمنون: ” قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5}”. واسم المسجد أسفل منها. ويتألف المسجد من غرفة معقودة بقبو برميلي يرتفع عن سطح الأرضية 3. 27م، وطوله أربعة أمتار وسبعون سم؛ وعرضه ستة أمتار وخمسة وثلاثون سم. وفي أسفل المسجد قبو معقود ينزل إليه بدرجات من ناحية الشمالية الغربية، كان في الأصل المدفن القديم؛ غير أنه سُد في العام 1979م؛ وفي الواجهة الجنوبية من المسجد محراب يبلغ ارتفاعه نحو مترين، وعرضه ثلاثة أرباع المتر، يعلوه مصباحان، ويتوسط واجهته الشمالية اليوم مكتبة يعلوها مصباح. مسجد مصعب بن عمير
يقع في سويقة باب العمود، وتحديدًا على يمين الداخل من هذا الباب إلى البلدة القديمة، مقابلاً إلى مسجد أقدم وأكثر شهرة منه تاريخيا، هو مسجد الشيخ لولو، ما جعل مسجدنا غير مطروق؛ سيما أنه ينخفض في تموضعه من مستوى الأبينة المجاورة له حيث ينزل إليه ببضعة درجات. ولم يعثر على ما يشير إليه في الوثائق والسجلات الشرعية، قبل الربع الأخير من القرن العشرين الماضي. يوصف بناؤه بالقدم؛ سيما أن بلدية الاحتلال الصهيوني هدمت الأبينة المجاورة له بعيد احتلالها القدس عام 1967م، وأقامت عدة أبنية حديثة. كما يتصف المسجد بتواضع هيئته؛ إذ يغلب الشيد على مواد بنائه، والتفاوت في ارتفاع جدرانه. وتحيط به ساحة مكشوفة تقدر مساحتها بضعف مساحة المسجد البالغة 25م². وهو مبني بالطريقة الأقواس التي تنتهي بشكل أقرب إلى القبة. ويبلغ ارتفاعه في المنتصف 3,5م. وله محراب قديم بصدره، ويشتمل على مكتبة بسيطة تحوي بضعة كتب.
ورغم مباشرة سلطات الاحتلال أعمال الحفر والاعتداء والتهويد بجوار المسجد بعيد احتلالها البلدة القديمة من القدس، إلا أن الإشارات إلى العناية به وترميمه جاءت متأخرة بحسب وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية؛ ففي سنة 1979م طالبت لجنة ترميم المسجد، دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس بوصل التيار الكهربائي. وفي سنة 1983م، باشرت ما تسمى بـ”شركة تطوير القدس” أعمال الحفر أمام مدخل مسجد مصعب بن عمير؛ فأغلق ودخل معترك الاحتجاج بالكتابة إلى بلدية الاحتلال احتجاجا على هذا العمل. وبعد عام من الإغلاق سجلت الرطوبة ضمن معاناته، حتى تسببت بانقطاع التيار الكهربائي حتى ستة 1991م.
مسجد الشيخ لولو
يقع في سويقة باب العمود؛ وتحديداً على يسار الداخل من هذا الباب، وفي أول الطريق المتجهة إلى حارة السعدية؛ وذلك ضمن مجمع عرف تاريخيا بالزاوية اللؤلؤية المنسوبة إلى واقفها بدر الدين لؤلؤ غازي، عتيق الملك الأشرف شعبان بن حسين (778- 764هـ/1376-1362م)، الذي وقف المدرسة اللؤلؤية بحي الواد في سنة (775هـ/1373م)، كما يفيد نص الوقفية المنقوش على حجر مثبت على مدخل المسجد ودفتر تحرير الطابو رقم 522. وقد ذكره الرحالة المشهور، عبد الغني النابلسي في زيارته في عام (1101هـ/1689م) وحدد موقعه.
يقوم هذا المسجد في موضعه في وسط ينشط بحركة زوار مدينة القدس والسوق التي تشمله. ويبدو أن تاريخ إنشائه يسبق تاريخ الوقف.
وهو مستطيل الشكل، يتألف من قسمين يفضيان على بعضهما البعض عبر باب داخلي؛ وتبلغ مساحته 128,8م²، وهي مساحة بيت الصلاة. أما ما ورد ضمن كتاب مساجد بيت المقدس من أن مساحته حوالي600 م²، فإنها تشمل الساحة المكشوفة الممتدة أمامه. ووفق تقرير وخارطة المساحة التي نظمتها دائرة الأوقاف سنة 1935، فإن مساحته 3,075م² تشمل مساحة بيت الصلاة والساحة وبعض العقارات الموقوفة عليه بجوراه؛ ما يشير إلى تناقص أوقافه مع مرور الزمن لأسباب لم تكشفها الوثائق التي اعتمدها الباحث، مع أنها تؤكد على أن تلك الأوقاف تشمل دوراً ودكاكين في الجوار وقطع أراض في قرى بيت ساور وصور باهر وعناتا. وقد بلغت واردات قرية بيت ساور وحدها مثلاً قبل منتصف القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، أكثر من 2500 أقجة. وتحفل الوثائق بإشارات إلى وظائف فيه في العهد العثماني؛ حيث تفيد انتسابهم إلى أتراك وبعض العائلات المقدسية، مثل: ابن جماعة وشكي مكي ووهبة وأبو الهدى والحريري.
ويتشكل بناء هذا المسجد معمارياً من عقد دائري مفتوح بين قبوين متصلين، والمسجد محاط بسور من الجهات الأربع، وتتصف جدرانه بالسمك (1,5) م، وهي مبلطة ببلاط أملس من الداخل حتى ارتفاع مترين، أما ارتفاعه فيصل نحو (5م)، وله محراب منحن في مركزه شريط من السيراميك الخليلي وبابان في حائطه الغربية، وأربعة شبابيك مستطيلة الشكل، ومكتبة متواضعة.
وشهد هذا المسجد تعميرات واسعة عبر تاريخه الطويل؛ بدءاً من تعميرات عام (952هـ/1545م)؛ ومروراً بالتعميرات الشاملة أيام المجلس الإسلامي الأعلى، وأهمها: تعميرات الفترة (1945-1947م)؛ حيث نتج عنها افتتاح مدرسة بإحدى الغرف الواقعة بساحة المسجد سنة 1947 عرفت بـ”مدرسة الاستقلال العربية”، وقد بلغ عدد طلابها 300 طالب.
وبموجب وثائق دائرة الأوقاف في القدس المحفوظة في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية، باشر الشيخ كامل أفندي مبارك تعليم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب منذ 6/7/1947م.
وتواصلت تلك التعميرات بعد النكبة، ففي سنة 1954م فرشت ساحة المسجد الخارجية بالإسمنت (التي تدعى “مَدِّة” حسب التسمية الشعبية) وأدخلت مياه البلدية إليه، ثم بلطت مساحة من ساحته بالحجر الطبيعي الأملس لتكون ممراً يؤدي إليه، وزود بالتيار الكهربائي في سنة 1960م. وخلال عقدين تاليين أضيفت إليه غرف جديدة اتخذ بعضها مقراً للجنة تكفين الموتى في القدس، كما استكملت دورة مياه حديثة له تقع في الجانب الجنوبي الغربي منه.
مسجد ومقام الشيخ شكي مكي
يقع في باب الساهرة، وتحديدًا على يمين الداخل إلى داخل مدينة القدس القديمة من الباب المذكور تجاه المسجد الأقصى، حيث يقابل مدرسة القادسية. يغلب القدم والحداثة عليه؛ فأصل بنائه ضريح مقام الولي الشيخ مكي. ولأن الضريح أو المقام بات مهجوراً؛ تطوع بعض المجاورين له في سنة 1982 بتشكيل لجنة عرفت بـ”لجنة مسجد الشيخ مكي”، وتهدف إلى تعمير المسجد للصلاة لخلو المنطقة من المساجد. وبعد صدور موافقة دائرة الأوقاف في القدس على تشكيل هذه اللجنة وإنجاز المخططات والتقديرات اللازمة، بوشر بتعمير وترميم المكان وافتتح مسجداً في نفس السنة بمساحة تبلغ 24م². وفي العام التالي أدخل التيار الكهربائي إليه وافتتحت فيه مكتبة صغيرة. كما أعيد ترميمه وتكحيل جدرانه الخارجية سنة 1984م.
ويواجه هذا المسجد خطر متطرفي المستوطنين الذين استولوا في سنة 1986م على منزل مجاور له، وواصلوا الاستفزاز ومحاولات منع رفع الأذان فيه.
مسجد الملاط
يقع في منطقة الباب الجديد، وتحديداً على الطريق الواصلة من حارة الجوالدة إلى حارة النصارى. قرب دار أولاد حجيج ودير اللاتين من الغرب. وبحسب بعض الحجج الشرعية، عرفت هذه المنطقة بـ”محلة الملاط”، لم يوجد له ذكر ولم يظهر على أرض الواقع حتى العقد الأخير من القرن العشرين الماضي؛ حيث كشف عن بعض معالمه كالمحراب والجدران في أحد المساكن التابعة لدير اللاتين؛ ولا يزال هذا المسجد ضمن أملاك الدير.
جامع القلعة
يقع في الزاوية الجنوبية الغربية من قلعة القدس التاريخية المشهورة، وتحديداً في الجهة الغربية من مدينة القدس، وإلى الجهة الجنوبية من باب الخليل، أو على يمين الداخل إلى المدينة من هذا الباب. وقد أنشأه السلطان المملوكي الملك الناصر محمد بن قلاوون (741-709هـ/1340-1309م). كما يفيد النقش المثبت على بابه والمكتوب بالخط النسخي المملوكي الجميل، ونصه:”بسم الله الرحمن الرحيم. أنشأ هذا الجامع المبارك مولانا السلطان الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا قلاوون أعز الله نصره في تاريخ سنة 710هـ/1310م. وقد جدد السلطان العثماني محمود الأول (1168-1143هـ/1754-1730م) هذا المسجد في سنة (1151هـ/1738م).
خصص المسجد لصلاة عساكر القلعة فيه. وكان العسكر يعينون الإمام والمؤذن، ويتولون شؤون المسجد بالتنسيق مع إدارة أوقاف القدس التي تولت الإشراف العام علية طوال الفترة العثمانية. وتحفل الحجج الشرعية من القدس بإشارات إلى عناصر مقدسية تولت الإمامة والخطابة والأذان فيه، ينحدر بعضهم من عائلة خليفة، وبعضهم الآخر من عائلة الغزي.
ونظراً إلى الموقع الاستراتيجي لهذا الجامع؛ تغيرت وظيفته مع التغيرات التاريخية السياسية التي ألمت في مدينة القدس؛ ففي الحرب العالمية الأولى، اتخذت قوات الجيش العثماني الرابع منه مخزناً للذخائر الحربية اللازمة للدفاع عن القدس وهويتها العربية الإسلامية، ثم أنيطت هذه المهمة بالمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى حتى سنة 1926م. وبعد زوال الانتداب البريطاني عن فلسطين، آل المسجد وقلعة القدس إلى عهدة الجيش العربي الأردني، الذي رابط هناك محاولاً الإفادة من هذا الموقع الاستراتيجي في الدفاع عن عروبة القدس وهويتها فأعاد المسجد إلى وظيفته الأصلية. وفي سنة 1956 أرسل قائد لواء الأميرة عالية كتاباً إلى الأوقاف يفيد بأن مئذنة المسجد بحاله خطرة، وأن في إبقائها على هذه الحال تهديد لحياة الجنود؛ وأوصى بإصلاحها.
وقد شهد المسجد محاولات تحويل وظيفته باجتثاثها وتفريغها عن مضمون هويتها التاريخي أيام الانتداب البريطاني؛ حيث بدأت حكومته بتقليص صلاحيات المجلس الإسلامي الأعلى، كما صرحت إلى مدرسة الآثار الأمريكية بتحويل المسجد إلى معرض للصور، لكن اعتراضات دائرة أوقاف القدس والمجلس الإسلامي الأعلى حالت دون ذلك طوال عقدين من الزمن، عندما أذنت سلطات الانتداب بتسليم مفتاحه إليها؛ فسارعت بدورها بتحويله إلى مخزن للأثريات القديمة؛ وطالب المجلس الإسلامي برفع الآثار وإعادة استلام مفتاحه بموجب كتاب مؤرخ 1947/4/13م. وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس في سنة 1967م حول القلعة ومسجدها إلى متحف.
أما معمارياً؛ فيعد هذا المسجد أجمل مساجد القدس الواقعة خارج سور الحرم الشريف، وأتقنها عمارة، وتبلغ مساحته حوالي 144 متراً مربعاً (8×18) م²، أما ارتفاعه من الداخل فيصل حوالي 6م، وبجانبه مئذنة قديمة ترجع إلى الفترة العثمانية أيضاً. وهو يتكون من بيت للصلاة يتوصل إلية عبر مدخل شرقي صغير الحجم نسبياً، ومسقوف بطريقة القبو البرميلي، وفيه محراب بديع المنظر مزخرف، عبارة عن حنية حجرية متوجة بطاقية، يتقدمها عقد ترتكز أرجله على عمودين قائمين على جانبي المحراب؛ ويقوم على يسار منبر حجري، أما أرضية المسجد فقد بلطت حديثاً. وللمسجد مئذنة بنيت سنة (938هـ/1531م) وجددت في زمن السلطان العثماني محمد الرابع في سنة (1065هـ/1654م). وهي تتكون من ثلاث طبقات حجرية؛ أولها عبارة عن قاعدة مربعة الشكل، وثانيها وثالثها أسطوانيا الشكل.
مسجد عثمان بن عفان
يقع في سوق البازار على الطريق المؤدية من باب الخليل إلى المسجد الأقصى المبارك؛ أي أنه يقع في وسط تجاري ينشط في حركة ذهاب الناس وإيابهم؛ ويبدو أن اسمه مستحدث؛ لكن بناءه يدل على قدمه. ومع ذلك، يخلط الكثيرون بينه وبين مسجد آخر في نفس السوق يعرف بـ”مسجد غباين”.
والمسجد في بنائه ضيق؛ حيث تبلغ مساحته حوالي 15م²، وهو مبلط من الداخل، وبلاطه جميل. فيه مكتبة صغيرة، ومكبرات للصوت تطل على السوق، ويتبعه متوضأ؛ ولكنه يعتمد على دورة مياه مجاورة تتبع البلدية، وتشير وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية إلى أن له خادم وإمام يدعى محمد زهير الجعبة، وإلى أنه تقام فيه أربع صلوات.
وقد ظهر خلاف بين الأوقاف في القدس والكنيسة الإنجيلية اللوثرية منذ عام 1979م، بسبب محاولات الكنيسة استغلال سطح المسجد والسوق بصورة عامة دون وجه حق؛ ذلك أن جزءاً من المسجد والسوق يقع أسفل حديقة تابعة إلى نزل الكنيسة. وحتى عام 1988م، لا تضم المؤسسة وثائق تشير إلى تسوية هذا الخلاف بين الطرفين.
المسجد اليعقوبي
يقع بمنطقة باب الخليل إلى الشرق من ساحة عمر بن الخطاب، بحارة الضوية المعروفة اليوم بـ”حارة العسلية”. يجاوره كنيسة تابعه للبروتستانت من الغرب؛ والنزل المسيحي من الشمال وبيوت ومساكن لمسيحيين من طوائف البروتستانت واللاتين والأرمن. وهو ينسب إلى الشيخ شمس الدين بن عبد الله البغدادي.
يرجع أصل البناء إلى الفترة الرومانية، وتحديداً إلى القرن السابع أو الثامن ميلادي، وقد حول في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي إلى الزاوية دعيت منذ ذلك الوقت باسم زاوية الشيخ يعقوب العجمي، التي هجرت إثر وفاته حتى جددت في الفترة العثمانية واتخذت مسجداً تقام فيه الصلوات الخمس.
يتألف هذا المسجد اليوم من بيت للصلاة مستطيل الشكل بامتداده من الشرق إلى الغرب، وتبلغ مساحته 98م²، وارتفاعه 6م. وله محراب في الحائط الجنوبية، وساحة مكشوفة تتقدمه في الجهة الغربية مساحتها 5×12م.
تشير سجلات محكمة القدس الشرعية إلى المسجد وأوقافه التي أفاد منها، أهمها حاكورة اليعقوبي الممتدة أمامه بين دور يسكنها آل الديسي وشارع سان جيمس، وتقدر مساحتها بحوالي 10دونمات، والأرض التي تقوم عليها كنيسة البروتستانت المجاورة، وعقارات أخرى. وهكذا يمكن فهم حالة البؤس التي مر فيها المسجد حتى أواخر القرن العشرين الماضي بحسب تشير إليه وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية. ولم يبق سوى تقارير ترصد خرابه، أو حاجته للإنارة بالتيار الكهربائي عوضاً عن لامبة كاز نمرة2، أو عدم لياقته بمساجد المسلمين. وبعد عقدين ونصف من الزمن، أي في 1966/2/24م، طالبت دائرة الأوقاف في القدس بربطه بالكهرباء. ورغم أن موقوفات المسجد بيعت جميعها تقريباً لتعميرة منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. إلا أن فريق البحث لم يعثر على وثائق ترميمه سوى إشارة متواضعة من عام 1941م، ما دفع أحد سكان القدس إلى اقتراح تحويله إلى مدرسة ليلية لمحو الأمية، قبل ترميمه في سنة 1988م.
مسجد القرمي
يقع ضمن مجمع معماري يقوم في إحدى محلات القدس التاريخية التي كانت تعرف بمحلة مرزبان (حي القرمي اليوم)؛ وتحديداً بالقرب من حمام علاء الدين البصير. وينسب إلى مؤسس زاوية القرمي الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد التركماني الشهير بالقرمي الشافعي الذي ولد في دمشق في سنة (720هـ/1320م) وعرف بالعبادة والزهد والصلاح وتوفي في القدس سنة (788هـ/1386م). أما المسجد والزاوية فيقومان ضمن أوقاف الأمير ناصر الدين محمد بن علاء الدين شاه بن ناصر الدين محمد الجبيلي بالمحلة المذكورة الذي كان له اعتقاد كبير بالشيخ القرمي فوقف عليه ثلث أملاكه.
ويبدو أن بناء المسجد يسبق تاريخ وقفه، ولعله يرجع إلى فترة صلاح الدين الأيوبي. وتبلغ مساحته حوالي 65م² تقريباً. ويجاوره ضريح الشيخ محمد القرمي، وبجوار الضريح مصلى للنساء بمساحة 9م².
وتعرض المسجد خلال تاريخه الحافل إلى محولات تغيير وظيفته هو وأوقافه أو تعطيلها؛ فيشر كتاب مأمور الأوقاف المؤرخ في 1938م/9/1م أن إحدى أفراد عائلة الحسيني تسكنه، ما أوجب أمرا بإخلائهم. كما يشير كتاب آخر مؤرخ في 1955/12/17م إلى أنه لا يوجد وقفية لعقاراته أو أنها مفقودة. مع العلم أن حججاً شرعية تؤكد إفادة المسجد من أوقاف الأمير الواقف ناصر، ومنها: 6 دكاكين تقع بنفس المحلة، ومن حصص في البقعة وقفها الحاج خليل بن عبد القدار اللولو في (3 جمادى الآخر سنة 1014هـ/16 تشرين الأول 1605م) وحصص أخرى اشترط أن تؤول للمسجد بعد انقراض ذريته، ومن حصص بوقف خليل سعد الدين الديري في سنة (1015هـ/1606م). وبحسب تقرير مفتش الأوقاف المؤرخ في 1955/3/2م، فإن حاكورة ومعصرة، يرحج أنهما من وقف الجامع. كما تؤكد إحدى وثائق دائرة أوقاف المؤرخة في 1956/4/14م أن من أوقافه محل قهوة تقع بخط مرزبان دثرت ثم حكرت، وتم تحويلها إلى مصبنة باسم مستحكرها الشيخ محمد طاهر الحسيني (مفتي القدس). وعلاوة على ما تقدم، تعرض المسجد إلى الكثير من اعتداءات متطرفي المستوطنين المجاورين لحرمه؛ فقد سرقوا مكبرات الصوت التي تعلوه أكثر من مرة أو خلعوها، أو دمروها أحياناً؛ في حين لم تتوانَ شرطة الاحتلال وقواته عن اعتقال إمام المسجد واللجنة المشرفة على شؤونه. وساهم ذلك ببطء إعماره، ولم يتجاوز دور إدارة الأوقاف تركيب باب يفصل بين المسجد والمقيمين في حرمه بتاريخ1977/9/24م؛ لذا تشكلت لجنة من أهالي القدس أشرفت على تعميره تعميراً جذريًا، وافتتح في سنة 1967م للصلاة به مجدداً؛ وتم تزويده بالكهرباء والماء بعد عقد من الزمن، وبمكبرات الصوت بعد عقد آخر. كما جرى تعميره مرة أخرى في سنة 1994م. وهو معمور اليوم وبحالة جيدة؛ لكن عادة مشايخه هو ومشايخ الزاوية في إحياء العشر الأواخر من رمضان وتناولهم وطعام السحور فيه، وذهابهم إلى المسجد الأقصى وهم يهللون ويكبرون وينشدون وما يقومون به في صحن الصخرة المشرفة التي أشار إليها كتاب مأمور الأوقاف المؤرخ في 1956/1/5م- انقطعت الآن.
مسجد الديسي
“المسجد العمري”
يقع جنوب غرب البلدة القديمة في مدينة القدس، وتحديدا في حارة الأرمن على طريق خط داود؛ حيث يبعد حوالي 750م عن المسجد الأقصى المبارك، ويشرف على حارة تاريخية في القدس هي حارة المغاربة التي هدمها الاحتلال الإسرائيلي علم 1967م.
لا يعرف تاريخ إنشائه، ولكنه وصف بالقدم، ويفهم من وقف الكمالي بن أبي شريف للمصبنة المنصورية وقفاً درياً في عام (892هـ/1487م)، أنه كان يعرف بالمسجد العمري الذي ذكر من حدود المصبنة، وتفيد بعض تقارير مهندس الأوقاف المحفوظة في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية أنه مر بمرحلتين عمرانيتين: الأولى، شهد إعمار المسجد القديم، والثانية جاءت استجابة إلى طلبات تعميره في السنوات (1964-1962م). وقد شهد في هذه المرحلة تجديد المحسن محمد الداود بناءه في العقد السادس من القرن العشرين، وإضافة رواق إليه بعرض 2م تقريباً، إضافة إلى مئذنة يبلغ ارتفاعها 15م يعلوها هلال، ومرافق وتسوية مساحة تبلغ نحو 60م². كما شهدت وصل التيار الكهربائي إلية بناء على طلب دائرة الأوقاف في القدس.
وتعرض المسجد بعد حرب 1967م واحتلال القوات الصهيونية القدس الشرقية إلى اعتداءات شركة صهيونية تعرف بـ”شركة تطوير الحي اليهودي”، خلال قيامها بهدم الأبنية المجاورة والملاصقة له وإقامة مساكن للمستوطنين على أنقاض عقارات الأوقاف الإسلامية. وفي عام 1976/1/20م ألمت به أضرار بالغة نتيجة مواصلتها أعمال الهدم؛ ما اضطر دائرة أوقاف القدس التقدم بطلب وقف عمليات الهدم بالمنطقة حفاظًا على المسجد. كما طالبت بترميم وتعمير ما تضرر، إلا أنها لم تلق استجابة؛ فقامت الدائرة نفسها بتعميره؛ لكن اعتداءات متطرفي المستوطنين لم تتوقف، ففي 1984/5/19م كسروا بابه الداخلي وحطموا زجاج شبابيكه وحطوا خزانة فيه؛ فقامت دائرة الأوقاف بإصلاح الضرر على نفقتها. وفي 1985/5/21 سرقت بعض محتوياته. وقد صادرت بلدية الاحتلال الإسرائيلي ساحة مجاورة له تستعملها موقفاً للسيارات. كما اقتطعت من أوقافه ممراً للمشاة يبلغ عرضه 1,5م.
ويدخل الزائر اليوم إلى هذا المسجد عبر بوابة حديدية منخفضة إلى ممر صغير يؤدي إلى بيت الصلاة البالغة مساحته 60م² (12×5). مسجد الحريري
يقع في الجزء الجنوبي الغربي من البلدة القديمة في مدينة القدس، وتحديداً في حارة الأرمن، إلى الجنوب باب الخليل، وإلى الشرق من مركز القشلة، وبجانب دير الأرمن الأرثدوكسي (ديرمار يعقوب)، أي أنه يقوم وسط سكان وعقارات للمسيحيين، وهو مسجل بسجلات الطابور مجلد 2، ص110 رقم العقد 420 سنة 1938م باسم مأمور الأوقاف الإسلامية. ينسب إلى محمد بن إبراهيم الحريري الذي أجرى في تعميرات واسعة قبل وفاته في سنة (886هـ/1481/). أما إنشاؤه، فيرجع قسم الآثار في دائرة أوقاف القدس أنه يعود إلى فترة الأيوبية.
استمر هذا المسجد في أداء رسالته حتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري/التسع عشر الميلادي. وتفيد حجة شرعية مؤرخة في أواسط ربيع الأنوار سنة (1243هـ/1727م) أنه كان تحت تولية من عائلة الموسوس، أنه كان له أوقاف ينتفع منها، مثل دار بحارة الجوالدة بالقدس حصلت أجرتها في سنة (1396هـ/1976م) بحسب وثيقة أخرى.
وكان يتوصل إلى هذا المسجد عبر مدخل رئيسي من شارع سان جيمس، يؤدي إلى بيت الصلاة المستطيل الشكل، ضمن مساحة إجمالية تبلغ 144م2 (9×16). ويؤكد كتاب مدير دائرة الانتيكات (دائرة الآثار) المؤرخ في 1922/10/30م على موقع المسجد ويفيد “أنه خرب، ورصيفه مغطى بالردم إلى عمق 2م”. ولم يبق من بنائه الأصلي سوى جدران متهدمة، وبعض العناصر الزخرفية المعمارية المتآكلة.
وشهد هذا المسجد محاولات أرمنية أرثدوكسية لامتلاكة، وصلت حد المضايقة وإغلاق مدخله وأحد شبابيكه، وقد استشعر الأهالي ذلك، وتكررت مطالبتهم دائرة أوقاف القدس بتعميره أكثر من مرة خلال السنوات (1973-1945م). وكانت أخطر تلك المحاولات ادعاء البطريركية الأرمنية لدى المحكمة المركزية بالقدس (محمكة الاحتلال الإسرائيلي ) حق امتلاكه في 1978/5/6م. ولعدم صلاحية المحكمة للنظر في هذه القضية أحالتها إلى وزير الأديان لدى الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 1982/3/21م. فسارعت دائرة أوقاف القدس إلى محاولة تسوية الأمر باستصدار إذن ورخصة من البلدية بتعمير المسجد؛ لكن حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة أخذت في المماطلة وعرقلة المشروع؛ واحتفظت دائرة الآثار بأحد مفتاحي المسجد وعطلت الإذن بالتعمير. ومنذ ذلك التاريخ والمسجد مقفل، وحالته العمرانية تسوء يومًا بعد يوم، ويمنع الاقتراب منه للصلاة أو التعمير؛ ما يعني أن إعادة بناء هذا المسجد وفق طراز إسلامي أصيل ورفيع أصبحت ضرورة دينية ووطنية ملحة.
مسجد حارة الحدادين
وهو مسجد مُنْدَرِسٌ كان في منتصف حارة الحدادين التي تمثل جزءاً من حارة النصارى اليوم. ويفيد تقرير محفوظ في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية، صادر عن إدارة الأوقاف في سنة 1944م “أن هذا المسجد خرب ولا يستعمل للصلاة، وأنه يقع بجوار فرن حسن بيك الترجمان، وأن أصحاب الفرن يستعملونه لتخزين الحطب. ولدى مراجعة الأوقاف لأصحاب الفرن تم استرجاع مفتاح المسجد منهم”. ولم يعثر فريق البحث الميداني له على أثر.
المسجد العمري الكبير
يقع بالجهة الجنوبية من حارة الشرف التي كانت تؤدي إلى حارة المغاربة من جهة الغرب. ويتوصل إليه عبر زقاق طويل يبدأ من التقاء طريقي باب السلسة وخان الزيت قريباً من خان السلطان، ثم الاتجاه جنوبًا. ويقوم هذا المسجد في موضع هام؛ إذ يحيط به كنيسان: واحد من الشمال، والآخر من الشرق حيث يبعد عنه نحو 50م؛ وإلى الغرب منه مدرستان متطرفتان ومركز لشرطة الاحتلال يفصلها عن المسجد الشارع العام، وبضعة دكاكين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المسجد مؤسس على أرض وقفها أحد المسلمين قبل منتصف القرن الثامن الهجري/ الخامس عشر الميلادي؛ إلا أنه محاط بعقارات استولى عليها اليهود وعلى مواضعها من المسلمين بعدة طرق في أيامنا هذه؛ ما يجعل منه بؤرة حساسة.
أما تاريخ بناء المسجد وبانيه فيبدو أنه قريب من تاريخ وقفه، فقد أورد مؤرخ القدس (مجير الدين الحنبلي) أن بناء منارة للمسجد ”من جهة القبلة، وهي مستجدة بعد الثمانمائة”. كما أورد وقائع حول إحدى الدور الملاصقة له ويحددها بسنة (878هـ/1473م). ما دفع البعض إلى ترجيح أن إنشائه كان قبل هذه الفترة.
ويعبر المصلي إلى المسجد من بوابة حديدية مجاورة للطريق، ثم يصعد عبر ممر طوله نحو ستة أمتار، ثم يرقى عدة عتبات تقوده إلى ساحة مكشوفة يكتنفها حوض حجري يقابل الباب المؤدي إلى المصلى الذي تبلغ مساحته بحسب وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية 30م². وهو معقود بالأقواس التي تلتقي حول فوهة في الوسط؛ وتعمل هذه الفوهة مع ثلاثة شبابيك أخرى على التهوية والإضاءة، منها شباكان في حائطه الشرقية، وشباك في الجنوبية؛ وله مئذنة جميلة مربعة الشكل وملوكية الطراز، يبلغ ارتفاعها نحو 15 متراً. وقد استحدث في جداره الجنوبي محراب عبارة عن حنية، والمسجد مبلط ومفروش بالحصير. ويتبع المسجد في الجهة الجنوبية ساحة ثانية مساحتها 1,5×7م² محاطة بدرابزين حديدي؛ ويتم الوصول إليها بعتبات تؤدي إلى بوابة حديدية من جهة الجنوب الغربي، تفضي إلى دورة مياه وميضأة يجلس المتوضئ فيها على مقاعد حجرية. كما يتبعه غرفة صغيرة المساحة (2×3) م² ملاصقة مدخله، ويستخدمها المصلون في وضع امتعتهم وحوائجهم.
وتشير بعض الحجج الشرعية إلى استمرار المسجد في أداء رسالته طوال العهد العثماني؛ ما أوجب تعيين الموظفين والأئمة له من حين إلى آخر، ومنهم الشيخ أبي السعود وولده الحاج أحمد. أما أوقافه فكانت تشمل 6 دكاكين مجاورة له وداراً في القدس مكونة من غرفتين، وحاكورة تعرف بـ”حاكورة القصارة” في حارة الأرمن.
وقد أولت دار الأوقاف بالقدس هذا المسجد أهمية خاصة؛ فعمدت إلى توفير ما يحتاجه من تعمير وعناية. تشير تقاريرها من سنة 1940م إلى إهمال متولي وقفه له؛ فقررت محاسبته ومتابعة تعميراته خلال السنوات (1963-1946م)؛ لكن أحداث عامي النكبة والنكسة فقد أدت إلى هدم الدكاكين الموقوفة عليه؛ ورغم ذلك، استمرت عمليات الإعمار؛ لكن أخطار حفريات سلطات الاحتلال الصهيوني في محيطه أخذت بتهديده من جديد في عامي 1972م و1974م؛ فقامت الأوقاف ببناء جدران استنادية له، وبتكحيل مئذنته وتعمير جدرانه الخارجية والداخلية بالحجر؛ وتابعت عمليات التعمير؛ بهدف تدعيمه وتقويته حتى عام 1980م. وبعد عشرة أعوام، طالت تلك التعميرات مئذنته. وتتوالى عمليات الإعمار فيه؛ بسبب عدم توقف الاحتلال واليهود والشركات اليهودية وعلى رأسها ما يسمى بـ”شركة تطوير الحي اليهودي”، ووزارة الأديان التي باشرت الحفر بمحيط المسجد منذ سنة 1972م؛ لهذا لا يتمكن إمامه من إقامة الصلاة فيه، إلا صلاتي الظهر والعصر.
مسجد ولي الله محارب
يقع عند التقاء طريقي باب السلسة وسوق الباشورة، في أول الزقاق المتجه إلى الجنوب الموصل إلى حارتي الشرف والمغاربة. ينسب إلى منشئه ولي الله محارب الذي أنشأه في (العشر الأول من ربيع الأول 595هـ/ كانون الثاني 1199م) كما يفيد نقش التأسيس الذي يعلو مدخله.
تعرض المسجد إلى محاولات طمس نقش تأسيسه وأوقافه حتى مطلع النصف الثاني من القرن العشرين الماضي؛ لكن إلحاح المجاورين على ضرورة تعميره أدى إلى الكشف عن النقش الذي يتضمن أن المنشىء وقف عليه ثلاث دكاكين، أثبتت اثنتان منها، أما الثالثة فقد خسرتها دائرة أوقاف القدس؛ بسبب إثبات المدعى عليه ملكيته لها بالطابو.
ويتألف هذا المسجد من بيت صغير للصلاة، شكله مستطيل، وعرضه قليل، ومحرابه جميل، وسقفه مغطى بقبو نصف برميلي؛ ويبلغ طوله من الداخل 6,5م وعرضه 2م؛ وله مدخل معقود ونافذة صغيرة يطلان على الشارع العام؛ أما أرضه فهي مبلطة بالرخام.
ويواجه المسجد اليوم خطر اعتداءات الاحتلال الصهيوني من حين إلى آخر، وخاصة أطماع ما يعرف بشركة تطوير الحي اليهودي الاستيطانية، التي تسعى منذ نهاية العقد السابع من القرن العشرين الماضي إلى مصادرته. أما المستوطنون المتطرفون فلا ينفكون عن استفزاز مشاعر المسلمين ومضايقتهم حتى أنهم قاموا بتعطيل مكبر الصوت فيه، فصار الأذان يرفع فيه من خلال الربط مع مسجد البازار (عثمان بن عفان) المجاور.
مسجد سويقة علون
يقع على يمين القادم من باب الخليل إلى المسجد الأقصى المبارك، ويبعد نحو 75متراً من باب الخليل، وذلك في سوق سويقة علون الممتدة من موقف السيارات الكائن في باب الخليل وحتى ملتقى طريق البازار وحارة النصارى.
يرجع بناؤه إلى الفترة العثمانية، وتكشف وثائق المجلس الإسلامي الأعلى عن إصلاحات أجريت فيه في عام 1945م تضمنت استبدال بابه بباب خشبي جديد، وتعيين إمام له يدعى الشيخ كامل مبارك. وبعد ثلاثة أعوام، تم تزويده بالكهرباء، وسمي “مسجد حمزة بن عبد المطلب”. وقد تم الكشف عليه بعد ثلاثة عقود، فتبين أنه بحاجة إلى توصيل التيار الكهربائي.
وهناك مدخلان متتاليان للمسجد، يصعد إلى الأولى على درجتين خارجتين تقود إلى سبع درجات أخرى من الداخل، ثم إلى دهليز لا يزيد عرضه عن متر واحد وطوله ثلاثة أمتار؛ أما المدخل الثاني فهو يؤدي إلى المصلى. وهناك متوضأ أصله صهريج لخزن المياه. والمسجد صغير المساحة، تغلب الأقواس على بنائه، وهي تنتهي بعقد نصف برميلي. أما سطحه فهو مستو، يعلوه برج يحمل مكبر صوت. وللمسجد محراب مجوف مبلط ببلاط صغير ملون. وقد تم ترميم هذا البلاط مؤخراً، وكذلك تبليط أرضيته وجدرانه حتى ارتفاع متر. ويتبع المسجد دكان مجاورة. وفيه مكتبة صغيرة متواضعة. وتقام في صلوات الظهر والعصر والمغرب من أصحاب المحال المجاورة ورواد السوق.
مسجد درغث
يقع في منتصف طريق الواد المؤدية إلى المسجد الأقصى من جهة باب العمود، وتحديداً مقابل المستشفى الحكومي (الهوسبيس) وفي الطابق الثاني بجوار فندق أهرام. ووفق وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية فإن المسجد يقع ضمن حوض رقم 14 البلدة القديمة /القدس، وقسائم رقم 83,82,81، وبمساحة إجمالية قدرها 148م².
ويبدو أن تاريخ بناء المسجد إلى الفترة العثمانية، فقد ورد في أحد الكتب الصادرة عن مأمور أوقاف القدس في منتصف القرن العشرين الماضي إشارات إلى بعض معالمه كالمحراب وقوس وبقايا المئذنة. أما بناؤه القائم حالياً فيرجع إلى ما بعد هذا التارخ بعقد من الزمن؛ حيث تقدم السيد أحمد القره جولي (مدير بنك الأمة بالقدس، ووكيل السيد محمد عبده حلمي باشا)، إلى دائرة أوقاف القدس بطلب إعادة بناء مسجد درغث عن روح المرحوم أحمد حلمي باشا. وفي 1964/9/18م باشر المقاول خضر أبو صوي العمل فيه. وتشير وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية إلى تنسيق دائرة أوقاف القدس مع بلديتها العربية لهذا الغرض. وفي 1965/4/20م بوشر بعملية الهدم وإزالة الأنقاض والبناء. وقد أنجز بناء أربعة مخازن تقع أسف المسجد في مطلع سنة 1966م. وبوشر ببناء المسجد بتاريخ 1966/9/27م. وتم الانتهاء منه بعد ثلاثة أشهر. وتبلغ مساحته من الداخل 120م²، ويشمل: دورة للمياه، ومئذنه يعلوها هلال. وقد استخدمت الكهرباء في إنارته منذ افتتاحه للصلاة في سنة 1967م. أما تسميته فقد نسبت إلى ما يعتقد أنه أحد الأولياء الصالحين المدفون في مقام له يقع خلف المسجد.
ويرد في سجلات محكمة القدس الشرعية حجج حول أوقاف درغث آغا الذي وقف عقارات وربعة شريفة في قبة الصخرة المشرفة. ويفيد كتاب مأمور الأوقاف المؤرخ في 1953/11/11م أن أوقافه تشمل حاكورة مقابل المستشفى الحكومي/ الهوسبيس مسجلة تحت رقم 110. كما تشمل أوقافه أربع دكاكين.
المسجد القديم في سوق خان الزيت
“أبو بكر الصديق”
يقع في زقاق تايخي يتردد كثيراً في الوثائق، هو زقاق أبي شامة، المعروف اليوم بـ”حوش الشاويش” ويقوم هذا المسجد بالتحديد في آخر سوق خان الزيت، على بعد نحو 80 متراً من سوق العطارين. أي أنه يقع في مركز تجاري هام من مدينة القدس؛ حيث يبعد مسافة 800م تقريباً عن المسجد الأقصى المبارك، وينسب إلى مؤسسه أبي بكر بن عمر الحلبي الذي أنشأه حوالي سنة (1063هـ/1652م). ويبدو أن البعض وجد في تسميته تلك مسوغاً لنسبة البكرية والعمرية. ففي سنة (1295هـ/1878م) تشير بعض حجج محكمة القدس الشرعية إلى أنه كان يدعى بـ”المسجد العمري”.
وفي سنة 1927م، تشير بعض وثائق المجلس الإسلامي الأعلى في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية إلى اتخاذ مسجد علوي في بناء مجاور أطلق عليه اسم مسجد أبي بكر الصديق.
استمر هذا المسجد في أداء وظيفته المتمثلة في إقامة أصحاب الدكاكين المجاورة له هم وبعض رواد مركز المدينة التجاري الهام الصلاة فيه، وفي تعليم الصغار قراءة القرآن الكريم حتى زلزال عام 1927م، الذي تسبب في تهدمه وتعطله ”وتجرده عن الأمور الصحية” وتقليص مساحته، بسبب غلبة بعض أصحاب العقارات المجاورة على أجزاء منه؛ فغدى غرفة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 5,20م×2,80م يفتح بابها شمالًا (حسبما تفيد بعض الحجج الشرعية ووثائق دائرة الأوقاف المحفوظة في مؤسسة للباحث فهمي الأنصاري)؛ لذا اعتبرها المجلس الإسلامي الأعلى، من الأوقاف المندرسة، سيما أنه يتبع أوقاف البيمارستان الصلاحي المندرسة، وأذن بتأجيرها إلى جماعة من آل العمد؛ فاستخدموه مخزناً لمصنع حلاوة، وبقي على هذه الحال حتى عام 1983 عندما كشف مستأجر العقار محراب المسجد القديم خلال ترميمات أجراها فيها، فاقترح إعادته إلى الأوقاف مقابل استرداده تكاليف الترميم؛ وتمت إعادته إلى الأوقاف مقابل ردّ تكاليف الترميم، وألحقت بالمسجد الذي يعلوه وصار مكتبة إسلامية.
وفي الوقت نفسه، استعاض المجلس الإسلامي الأعلى عنه بتجهيز عقار من العقارات التي تعلو مسجد سوق خان الزيت وبعض العقارات المجاروة العائدة إلى أوقاف البيمارستان الصلاحي استخدم كمسكن فترة من الزمن، ثم أجر بأجرة سنوية قدرها أربعون جنيهاً فلسطينياً حتى عام 1928م إلى الخطاط عبد القادر أفندي الشهابي الذي استخدمه مرسماً، وكان ريعه يؤول إلى لجنة المعارف الأهلية في نهاية الحكم العثماني. وأطلق على المسجد الجديد اسم “مسجد أبو بكر الصديق”.
ويمكن الصعود إلى هذا المسجد الجديد (مسجد أبو بكر الصديق) من مدخل يقع إلى الغرب من مسجد سوق خان الزيت على 19 درجة تؤدي إلى ساحة مكشوفة، ثم إلى المصلى الذي يتخذ شكل المستطيل بامتداده من الجنوب إلى الشمال بأبعاد (14م×6م). وأجري فيه تعميرات متوالية خلال الفترة (1980-1933م) حتى استقر على حاله القائمة اليوم. ويتبع هذا المسجد مصلى للنساء ومتوضأ متقن ودورة مياه صحية بنيت في سنة 1976م.
مسجد بد العشرة
كان يقع في منطقة الباب الجديد قرب بطريريكية دير اللاتين؛ حيث تفصل الطرق بينهما. وهو مسجد قديم وردت حوله إشارات في سجلات محكمة القدس الشرعية منذ القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ما يشير إلى إنشائه قبل العهد العثماني في القدس. ومن تلك الإشارات ما يورد بعض أوقافه، مثل دار في محلة الجوالدة، استبدلت في سنة (1068هـ/ 1657م) بسبب خرابها.
لعله درس في أواخر هذا العهد، حيث تفيد بعض تقارير المجلس الإسلامي الأعلى العائدة إلى سنة 1925م إشراف إدارة المعارف عليه وعلى أوقافه التي تذكر منها بَداً لعصر الزيتون. كما تذكر انتقاله إلى إشراف دائرة الأوقاف. ويفيد تقرير الهيئة الفنية لعمارة الحرم الشريف في سنة 1928م أن البد خرب، ومساحته الخاصة بالأوقاف 845 ذرعًا، وبالقرب منه بناءان: يستعمل أحدهما مطبعة مساحته 165 ذراعًا، ويستعمل الثاني منجرة ومساحته 174 ذراعًا. وفي 1928/6/26م تقدم وكيل بطريركية اللاتين لإدارة الأوقاف بكتاب يذكر فيه حدود البد الموقوف وخرابه، وطلب استبداله بالنقود. ويشير تقرير آخر إلى أن الطريق إلى المسجد تمر عبر البطريركية نفسها. وفي سنة 1950/9/12م، طلبت نقابة عمال بلدية القدس من إدارة الأوقاف تعمير واستغلال هذا الجامع؛ ولعله من المساجد المندرسة بالقدس الشريف اليوم.
مسجد الست قمرة
يقع في باب الجديد، وعلى يمين الداخل منه. تنسب تسميته إلى عدد من الأمراء المجاهدين الذين توفوا في القدس ودفنوا في القبة القيمرية، وهم: الأمير حسام الدين أبو الحسن بن أبي الفوارس القيميري المتوفى سنة (648هـ/ 1250م)، والأمير ضياء الدين موسى بن أبي الفوارس المتوفى سنة (661هـ/ 1262م)، والأمير ناصر الدين بن حسن القيميري المتوفى سنة (665هـ/ 1266م)، والأمير ناصر الدين محمد جابر بك أحد أمراء الطبلخانة بالشام وناظر الحرمين بالقدس والخليل المتوفى في سنة (776هـ/ 1374م)؛ ما دفع خبير الآثار أحمد طه إلى عدم استبعاد علاقة المسجد مع القبة القيمرية التي تقع قرب مقام سيدنا عكاشة الواقع إلى الغرب من أسوار مدينة القدس، ويرى أيضًا أن أصله ربما كان زاوية ضمت المسجد وصرح مؤسسها. ويجزم أن البناء القائم اليوم يعود إلى الفترة العثمانية.
ويتوصل إليه عبر مدخل بسيط يؤدي إلى ساحة مكشوفة، يقوم في جزئها الغربي بيت الصلاة. وهو مربع الشكل، تعلوه قبة ضحلة ترتكز على قاعدة مثمنة تتكون: من أركان بيت الصلاة الأربعة الأصلية، وأربعة أركان معقودة أقيم كل واحد منها على جدار منه. وهناك محراب في منتصف الواجهة الجنوبية لبيت الصلاة عبارة عن حنية مجوفة داخل الجدار. أما الجزء الجنوبي من الساحة المكشوفة، فتقوم علية غرفة صغيرة تضم الضريح.
ويرد في وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية إشارات حول شؤون المسجد وموظفيه، ما يدل على أدائه لرسالته حتى عام 1948م، حيث لحقت به أضرار خلال الحرب التي شنتها العصابات الصهيونية. وفي سنة 1950م باشرت بلدة القدس العربية بالتنسيق مع إدارة أوقاف القدس في إعمار ما تهدم من عقاراته. وتواصلت عملية الإعمار فيه بعد حرب حزيران 1967م، حيث أزيلت الاستحكامات العسكرية المقابلة له. وقد سلمته البلدية إلى أوقاف القدس التي طلبت إعادة وصل التيار الكهربائي إليه في سنة 1973م. كما استرجعت أرضاً مجاورة للمسجد مساحتها 80م² له في سنة 1987م. وبعد ثلاثة أعوام، أجرت دائرة أوقاف القدس تعميراً شاملاً فيه.
في سنة 1992م بدأ التفكير بإدخال وظيفة تعليمية تربوية دعوية على رسالة المسجد، كما يفهم من طلب جمعية المسجد الأقصى الخيرية استغلال الأرض التابعة إلى المسجد ومرفقاته بإنشاء روضة ومكتبة وعقد دروس دينية، وتكللت الجهود بإقامة مدرسة الهدى لتعليم الأطفال حتى سن الثانية عشرة (الصف السادس الأساسي).
مسـجد الحيـات
يقع في منتصف حارة النصارى، بين الدرج المؤدي إلى كنيسة القيامة والطريق (عقبة) المؤدية إلى الخانقاة الصلاحية، ويحده من الشرق كنيسة القيامة. وهو مسجد صغير، يقوم وسط مجموعة من المحال التجارية في الصف الشرقي المقابل إلى الكنيسة. ويتخذ الشكل المربع في مساحته البالغة 16م². ويبدو أن قُرْبَه من مساجد أكبر منه، جعل وظيفته مقتصرة على أصحاب المحال التجارية والمتجولين من المسلمين في المحلات المجاورة له. وربما ساهم ذلك في هجرانه وتغير وظيفته، إذ يفيد تقرير مؤرخ في سنة 1938م بأنه خرب ومهجور، ما استدعى ترميمه وافتتاحه أمام المصلين. كما يفيد مؤرخ في سنة 1946م أنه كان مؤجراً لجمعية المكفوفين، ويستخدم في تعليم صناعة الكراسي. وربما تسبب ذلك في كثرة عمليات الإعمار فيه كما في السنوات 1958م و1975 و1981م. وفي كافة الأحوال، يقتصر المسجد على بيت الصلاة دون المئذنة أو مكبر صوت أو دورة مياه، إلا أنه مبلط ومضاء بالكهرباء، ويشرف عليه قيم من دائرة الأوقاف الإسلامية.
مسـجد قـلاوون (المنصـوري)
يقع في طريق مار فرنسيس، مقابل دير اللاتين الكبير، بالقرب من الباب الجديد. ينسب إلى مؤسسه وواقفه السلطان المملوكي الملك المنصور سيف الدين قلاوون (689-678هـ/ 1290-1279م)، الذي شيده ووقفه في سنة (686هـ/1287م) كما يفيد النقش المثبت على حائطه المطل على الطريق العام.
يتوصل إلى المسجد عبر باب يقع في الجدار الشمالي منه، يؤدي على بيت الصلاة مباشرةً. ويتخذ هذا المسجد شكل المستطيل، وهو مغطى بقبو برميلي، وفي منتصف واجهته الجنوبية محراب حجري يتكون من حنية متوجة.
ويبدو أن المسجد المنصوري قد أهمل بعض الوقت، ما أدى على خرابه والخلط في تسميته الأصلية، فمثلاً كان يعرف حتى فترة قريبة بالمسجد القلندري. تم إصلاحه مؤخراً، ونقش اسمه الأصلي (المسجد المنصوري) على لوحة من الرخام ثبتت فوق مدخله.
الجـامـع الأزرق
يقع في أعلى محلة الجواعنة إلى المسجد اليعقوبي. ذكره مؤرخ القدس مجير الدين الحنبلي، وحدد موقعه شرقي زاوية البلاسي المنسوبة للشيخ إبراهيم الأزرق المتوفى في سنة (780هـ/1378م) والمدفون فيها هو وجماعة آخرون؛ ما يشير إلى أن تاريخ إنشائه يرجع إلى ما هو أقدم من ذلك.
ويرد هذا المسجد في وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية العائدة إلى نهاية العهد العثماني التي تضيف أنه مجاور مقبرة للأطفال ودار وقف قنديل الجارية في أوقاف سيدنا الخليل عليه السلام والصخرة المشرفة، وأن هذه الدار مؤجرة بحكر سنوي قدره535 قرشاً، وأن مستشفى مسكاب لداخ أحد المستأجرين فيها. وقد استغلت إدارة هذا المستشفى فقدان الأمن والفوضى التي سادت عشية الحرب العالمية الأولى، فاعتدت على أرض المسجد ببناء غرفة وفتح شبابيك. وبعد الكشف على الاعتداء، صدر قرار بهدم الغرفة وإزالة التعدي، إلا أنه لم ينفذ بسبب قيام الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية. فاندثر المسجد واستولى عليه مستشفى مسكاب لداخ. ويبدو أن إدارة المستشفى استولت على المقبرة أيضاً؛ إذ أن زائر تلك المنطقة لا يجد أثراً لهما.
مسجـد ومقـام السيوفـي
يقع في حي الواد على مقربة من سوق القطانين. لا يعرف تاريخ إنشائه. له محراب وفيه مقام ينسبه الناس إلى أحد الأولياء يُعرف باليوسفي. وأموال أبعاده (8×4) م2.
وتشير وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية إلى تعميرات ضرورية أجريت فيه في سنة 1979م. وإلى طلب دائرة الأوقاف في القدس من شركة الكهرباء لتزويده بالتيار الكهربائي وتكحيل واجهته الأمامية. ومد سطحه لمنع الدلف عنه. وبعد نحو عقد من الزمن طلبت اشتراكاً له مع شبكة المياه، ووصله بالتيار الكهربائي فعليًا. وتعرض في سنة 1990م إلى أضرار بسبب تسرب مياه المجاري العامة إليه وعولج الأمر.
مسجد المئذنة الحمراء
يقع في حارة السعدية بخط المئذنة الحمراء، متوسطا الطريق بين عقبتي البسطامي وشداد، ومجاوراً مقام الشيخ ريحان. ويمكن الوصول إليه عن طريق مدخل باب الساهرة أو عن طريق الآلام. أنشأه الشيخ علاء الدين الخلوتي، ابن الشيخ شمس الدين محمد الخلوتي قبل عام (940هـ/1533م). وتفيد بعض الحجج الشرعية نسبته إلى مئذنته التي يدخل الحجر الأحمر في بنائها، منفردًا بهذه الصفة في الحارة التي يقع فيها. وبصورة عامة.
يعد هذا المسجد من المعالم العثمانية في مدنية القدس. وهو مربع الشكل صغير المساحة؛ إذ لا تتجاوز مساحة بيت الصلاة فيه (4×9) م². وقد بني من الحجر المتتالي فيه اللونان الأحمر والأبيض (الحجر المزي)، وله باب في حائطه الشمالي. ويتوسط جداره الجنوبي محراب جميل له عقد نصف دائري. أما سقف المسجد فهو معقود بقبو مروحي متقاطع له قبة نجمية؛ إضافة إلى مئذنته المميزة. يتبعه دورة مياه وما تبقى من الحاكورة التي أنشأ فيها، والتي زرع فيها أشجار فاكهة منوعة.
وتحفل الحجج الشرعية ووثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية، بإشارات تتضمن ذكراً لبعض موظفيه الذين كانوا من العناصر التركية والمقدسية، حيث أفادت من أوقاف رصدت على مصالح المسجد. كما تحفل بإشارات إلى تعمير أكثر من خمس مرات في منتصف القرن العشرين، وتحديداً منذ عام 1909م، حيث قدرت كلفة تعميره بـ 3750 قرشاً. وقد تمت إنارته في عام 1960م، وبعد عقدين من الزمن، جرى تكحيل جدرانه الخارجية.
ولم ينج هذا المسجد من اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس؛ إذ منعت رفع الأذان فيه.
جامع الشيخ غباين
يقع في سوق البازار، على الطريق المؤدية من باب الخليل إلى المسجد الأقصى المبارك، وتحديداً في شارع السوق الرئيسية. أي أنه يقع في وسط تجاري ينشط في حركة ذهاب الناس وإيابهم. يبدو أن اسمه مستحدث؛ ومع ذلك، يخلط الكثيرون بينه وبين مسجد آخر في نفس السوق يعرف باسم “مسجد عثمان بن عفان”؛ ولا يعرف تاريخ إنشائه، لكن وثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية تحفل بإشارات حول تعميره منذ الثلث الثاني من القرن العشرين الماضي، وتحديداً منذ عام 1938م حتى عام 1990م؛ كما تفيد أن دائرة الأوقاف في القدس اقتطعت من هذا المسجد دكاناً مجاورة تقع في قطعة رقم 47 حوض 28، وأنها كانت بِتَصَرُّفْ أحد أفراد عائلة الكيالي بطريق الإجارة منذ سنة 1942. وفي سنة 1958، تحفظ القيم في الحكومة الأردنية على تلك الدكان، بسبب إقامة المستأجر المذكور في مدينة يافا. وقد نجحت دائرة الأوقاف بإنقاذه، فأعدت له مخططات مساحة وأجرت بعض التعميرات في سنة 1990م.