القدس

سحب هويات المقدسيين

 سحب هويات المقدسيين

 تهجير الفلسطينيين من مدينة القدس يعد أحد أبرز سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الساعية لخلق واقع ديموغراغي جديد، يشكل اليهود فيه النسبة الغالبة.  وقد استخدمت إسرائيل لأجل ذلك الكثير من الوسائل، وقامت بالعديد من الإجراءات العنصرية ضد المدينة وسكانها الفلسطينيين، ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والقرارات الدولية التي تعتبر مدينة القدس أرضًا محتلة تنطبق عليها العديد من الشرائع الدولية، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة، المتعلقة بحماية المدنيين وعدم جواز نقلهم أو تهجيرهم من أماكن سكناهم.

سلطات الاحتلال الإسرائيلي هجرت غالبية الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الجزء الغربي من مدينة القدس عام 1948، واستأنفت هذه السياسة الهادفة لتهجير الفلسطينيين من القدس الشرقية منذ احتلالها وضمها وفرض القوانين الإسرائيلية على سكانها في حزيران 1967.

الإحصاء السكاني الذي أجرته سلطات الاحتلال الإسرائيلي لسكان القدس المحتلة في 26 حزيران عام 1967م بيّن أن هناك 66 ألف مواطن فلسطيني مقدسي ظلوا داخل حدود المدينة؛ وبموجب القانون الإسرائيلي منحوا حق الإقامة دون المواطنة؛ وبالتالي ليس لهم أي حقوق في مجال المواطنة؛ وإنما عليهم التزامات الإقامة؛ في حين اعتبر باقي الفلسطينيين المقدسيين الذين لم يشملهم الاحصاء غرباء ولم يسمح لهم بالعودة إلى المدينة رغم أن القدس هي مسقط رأسهم.

ولتحكم إسرائيل قبضتها على مدينة القدس؛ سارعت إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التهويدية ومن ضمنها سحب هويات المقدسيين،  مستندة في ذلك على سلسلة من الأنظمة والقوانين والاحكام العنصرية، ومن بينها:

قانون العودة لسنة 1950: أقرته الكنيست في 5 تموز 1950م،  وأصبح ساري المفعول في اليوم التالي. وقد خضع هذا القانون لتعديلين لاحقين: أحدهما تم في آب 1954، وثانيهما في آذار 1970؛ وهو قانون  يفتح الباب على مصراعيه لهجرة اليهود، ومنحهم المواطنة بشكل فوري؛  وفي عام 1970 عُدل القانون ليشمل أصحاب الأصول اليهودية وأزواجهم؛ وفي المقابل يحرم الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وحقهم في  المواطنة في أماكن ولدوا فيها، وعاشوا بها أبًا عن جد ويقيمون عليها.

قانون الجنسية “المواطنة” لسنة 1952: أقر من قبل الكنيست 1 نيسان 1952م،  وأصبح ساري المفعول في 14 أيلول 1953.  وقد خضع هذا القانون لتعديلين لاحقين: أحدهما عام 2008، والثاني عام 2011. ويفصِّل قانون الجنسية لعام 1952 التشريعات الخاصة بمسائل الهجرة، وينص على حق اليهود بالقدوم إلى إسرائيل (موطن أسلافهم المزعوم)، وعلى التكفل بتسهيل هجرتهم.  وتنص المادة 2/أ من قانون الجنسية الإسرائيلي على أن كل مهاجر، بحسب قانون العودة، سيصبح مواطنًا إسرائيليًا كنتيجة مباشرة (للعودة). وتنص المادة 14/أ  على أن اليهود الذين يحصلون على الجنسية الإسرائيلية لا يتوجب عليهم التخلص من جنسياتهم الأصلية؛ بينما نجد أن المادة (3) من القانون عينه تحرم الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في فلسطين قبل العام 1948 من حقهم في الحصول على الجنسية أو الإقامة في إسرائيل بناءً الشروط التي صممت خصيصًا لحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة.

وتنص  المادة (11) من قانون الجنسية على إلغاء المواطنة “بسبب خيانة الأمانة، أو عدم الولاء للدولة”. وفي سياق أوسع، تشمل “خيانة الأمانة” كل من يحصل على الإقامة الدائمة في واحدة من تسع دول عربية وإسلامية (المُدرجة في القانون، إضافة إلى قطاع غزة)، دون الحاجة لتوافر مسوغات جنائية.  ويمنح هذا القانون للمحاكم حقًا بإسقاط الجنسية الإسرائيلية عن المدانين بالتجسس والخيانة ومساعدة العدو في وقت الحرب، وأعمال الإرهاب (على النحو المحدد بموجب “قانون حظر تمويل الإرهاب” (2005))،  إذا ما طلبت وزارة الداخلية منها القيام بذلك كجزء من عقوبة جنائية.  يمكن الغاء جنسية إنسان فقط في حال كونه صاحب جنسية مزدوجة أو إذا كان يسكن خارج إسرائيل.

قانون الدخول إلى إسرائيل لسنة 1952:

“قانون الدخول إلى إسرائيل” هو القانون الذي يحكم الدخول إلى إسرائيل لغير المواطنين في الدولة، هذا القانون يمنح معاملة تفضيلية للـ”عوليه”، (أي الشخص اليهودي المهاجر إلى إسرائيل بموجب قانون العودة)، إذ يتيح لهؤلاء التمتع بأحقية ووضعية الدخول، كما لو كانوا مواطنين في الدولة؛ في الوقت الذي تمنح فيه تأشيرة ال (عوليه) لليهودي الأجنبي في سبيل الدخول إلى إسرائيل، إذ تخوله حق التمتع بوضع يتساوى فيه في العديد من الحقوق التي يمارسها (المواطنون).  ليس لل”عوليه” (المهاجر الجديد بحسب هذا القانون) حق التصويت والترشح لانتخابات البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أو الحصول على جواز سفر إسرائيلي؛ لكن له أن يصبح مواطناً بشكل تلقائي، وفقاً لما ينص عليه قانون المواطنة في هذا الشأن.

ويعتبر هذا القانون الفلسطينيين مقيمين، مثلهم مثل الأجانب القادمين من الخارج للعمل فيها؛ حيث أصبح القانون مرجعًا لوزارة الداخلية الإسرائيلية.

في عام 1974 أدخلت سلطات الاحتلال تعديلًا على القانون، بموجبه أعطي وزير الداخلية صلاحية إلغاء الإقامة عن أي شخص.    

قانون ‘ضم القدس’ في 27 حزيران 1967، صادقت الكنيست الإسرائيلية على قانون ‘ضم القدس’؛ في مخالفة فاضحة للمادة 47 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحرم ضم الأراضي المحتلة؛ وفي عام 1968، صدر قرار الشؤون القانونية والإدارية (التعديل رقم 11) ليستكمل قانون العام 1967 الذي أرسى الأرضية القانونية لسريان القانون الإداري الإسرائيلي على القدس الشرقية؛ وفي 30 تموز 1980 أصدرت الحكومة الإسرائيلية القانون الأساس الذي يعتبر القدس عاصمة إسرائيل.

القرار 88/282 الخاص بمركز الحياة الصادر عام 1988. وبدأت سلطات الاحتلال بتطبيقه عام 1995، حيث أضيف معيار جديد لسحب الهويات، يتمثل فيما سمي “مركز الحياة” الذي يكتنفه الكثير من الغموض في التعريف؛ إذ يقضي بسحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات.

قرار الحكومة الإسرائيلية رقم 1813 في أيار 2002، اتخذت الحكومة الإسرائيلية القرار رقم 1813 بشأن معالجة قضايا المقيمين غير القانونيين في إسرائيل، وصادقت عليه الكنيست عام 2003. ويهدف هذا القرار إلى ايقاف منح “لم الشمل” لعائلات أحد أفرادها من أصل فلسطيني؛ وتزامن هذا القرار مع بناء جدار الفصل العنصري.

القانون الخاص بالبطاقة الممغنطة (البيومترية) الصادر عام 2009 وأقرته الكنيست عام 2012 وطبقته وزارة الداخلية عام 2013؛ ويأتي هذا القانون في سياق سياسة (الترانسفير) التي تنتهجها إسرئيل ضد سكان القدس؛ فمن خلال هذه البطاقة الذكية يمكن لسلطات الاحتلال استعراض كافة المعلومات عن أصحابها وملامح وجوههم وبصماتهم وأماكن إقامتهم وديونهم وغير ذلك. ومن خلالها يمكن تحديد طبيعة وعدد تنقلات أصحابها وأماكن إقامتهم؛ وبالتالي حصر الموجودين داخل القدس، وأولئك الذين يحملون هوية القدس ويسكنون خارجها؛ كمقدمة لسحب هوياتهم وطردهم من القدس.

قانون منع التسلل رقم 1650 في 13 نيسان 2010 دخل حيز التنفيذ قانون منع التسلل رقم 1650 (التعديل رقم 2)؛ ويشمل المقدسيين المحرومين من حق الإقامة؛ لكنهم يعيشون في القدس؛ حيث يعتبرهم القانون “متسللين”؛ ما يعرضهم لدفع الغرامات والسجن لغاية 7 سنوات.

الكنيست يقر سحب الإقامة الدائمة من مقدسيين ينفذون عمليات ضد الاحتلال 07/03/2018. وهو قانون صيغ بشكل فضفاض دون تحديد؛ إذ لم يقيّد معاقبة سحب الجنسية على من يرتكبون أعمال مقاومة الاحتلال فحسب؛ بل عدّ عدم الولاء لدولة الاحتلال سببًا لسحب الجنسية؛ وترك الأمر لتقديرات وزير الداخلية؛ الأمر الذي يجعل أي مواطن مقدسي في دائرة التهديد بإسقاط كل حقوقه في المواطنة؛ وفقط لكونه فلسطينيا”؛ ما يعد انتهاكًا صريحًا وفاضحًا لاتفاقية جنيف الرابعة، التي أكدت على أنه “يحظر نقل الأفراد  أو الجماعات قسراً، وكذلك ترحيلهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو أراضي أي بلد آخر، بصرف النظر عن دوافعهم”.

وفرت هذه القوانين العنصرية الغطاء لسلطات الاحتلال لحرمان الفلسطينيين المقدسيين من حقوقهم المشروعة بما في ذلك حقهم في البقاء في مدينتهم؛ فسحبت، بالاستناد إليها، هوياتهم؛ وطردتهم من المدينة.  ويمكن تلخيص أبرز الأسباب التي استخدمتها سلطات لسحب هويات المقدسين:

1- إلغاء حق الإقامة للأشخاص الذين يقطنون في ضواحي القدس الواقعة خارج حدود البلدية، وفي المحافظات المجاورة، وكذلك الذين يقيمون خارج فلسطين.

2- سحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة، بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات على الأقل.

3- سحب هوية المقدسي إذا حصل على الإقامة الدائمة في تلك الدولة.

4- سحب هوية المقدسي  اذا حصل جنسية  دولة أخرى.

5- سحب هوية المقدسي لأسباب أمنية.

في إطار التوجّهات الإسرائيلية المستقبلية إزاء مسألة المواطنة المقدسية في المدينة، وضع طاقمٌ من المسؤولين والخبراء الإسرائيليين خطة تتضمّن تقسيم الفلسطينيين في (القدس الكبرى) إلى خمس مجموعات، كما يلي:

– المجموعة الأولى: تشمل سكان القدس 1967م، الذين شملهم الإحصاء الإسرائيلي عام 1967م، والذين يقطنون رسمياً داخل حدود بلدية القدس، ويحصلون على تأشيرات إقامة دائمة. وهؤلاء تعترف السلطات الإسرائيلية بإقامتهم، ويمكنهم الحصول على حقوقهم الإدارية والاجتماعية والخدمية…الخ.

– المجموعة الثانية: تشمل سكان القدس الذين كانوا يحملون تأشيرة الإقامة الدائمة، التي ألغتها سلطات الاحتلال؛ بأي ذريعة كانت. ويقيم هؤلاء في تجمعات محيطة بالقدس، وعددهم نحو 70 ألف مواطن. وترى سلطات الاحتلال أن من حق هؤلاء السكان الاحتفاظ ببطاقاتهم (الزرقاء)، لتكون بمثابة تصريح لعبورهم أراضي عام 1948م؛ لكنهم يحرمون من الحقوق المدنية والاجتماعية والصحية والتعويضات، ولا يملكون حتى المواطنة في القدس.

– المجموعة الثالثة: تتكون ممن جاؤوا للسكن في القدس عن طريق “جمع الشمل”. وكان هؤلاء يعامَلون كمقيمين أجانب، ثم سمِح لهم بالإقامة الدائمة، وتعتزم السلطات الإسرائيلية حرمانهم من جميع الحقوق المدنية والاجتماعية والصحية… الخ.

– المجموعة الرابعة: تضم مواطني القدس الذي يقيمون فيها، لكنهم يحملون بطاقات الضفة الغربية (مثل سكان: بيت حنينا القديمة، والشيخ سعد، وبيت إكسا، والولجة، وبيرعونة)، ممن ليس لهم مدخل أو مخرج بين قراهم  والمناطق المجاورة، إلا عبر حدود بلدية القدس الغربية.  وهؤلاء ستكون بطاقاتهم شبه تصاريح خاصة تخولهم الدخول أو الخروج إلى مناطقهم، وإلى حدود غربي القدس فقط؛ دون منحهم حق المواطنة المدنية والاجتماعية وسواها، وعدم اعتبارهم مواطنين مقدسيين، رغم استمرار فرض الضرائب على ممتلكاتهم وأنشطتهم.

– المجموعة الخامسة: تتألف من سكان القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس، التي شملها حق الاقتراع للمجلس التشريعي الفلسطيني (مثل: العيزرية، وأبو ديس، وبدّو، وحزما، ومخماس، والرام، والسواحرة الشرقية)، وهي تجمعات لن يكون لسكانها أي حقوق، ويمكنهم الحصول على تصاريح دخول القدس، مع إرغامهم على دفع الضرائب؛ لأنهم ينتمون إلى المجال “الإسرائيلي”؛ بينما سيكونون من الناحية الإدارية تابعين للسلطة الوطنية الفلسطينية.    

منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية وفي تقرير نشرته في 8 آب 2017، قالت إن إلغاء إسرائيل إقامة آلاف الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة على مر السنين يوضح النظام المزدوج الذي تنفذه إسرائيل في المدينة، ويفرض نظام الإقامة متطلبات شاقة على الفلسطينيين للحفاظ على إقامتهم، فضلا عن عواقب وخيمة لمن يخسرونها.

ووفقا لمعطيات أوردتها المنظمة، فإنه منذ بداية احتلال إسرائيل للقدس عام 1967 وحتى نهاية 2016، ألغت إقامة 14,595 فلسطينيا من القدس الشرقية على الأقل، وذلك بحسب وزارة الداخلية الإسرائيلية. وانسجاما مع ذلك جاءت الخطة الكبيرة “2020” والتي تقضي بتخفيض عدد سكان القدس إلى 15%،وتخطط إسرائيل ليصل عدد الفلسطينيين في القدس12/% عام 2030 من اجمالي عدد سكانها.

وحسب “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” في كتاب القدس السنوي في آب  2018، لا زالت البيانات عن مصادرة وإلغاء بطاقات الهوية المقدسية تستند بشكل أساسي على ما يتم الإعلان عنه رسميًا من خلال وزارة الداخلية الإسرائيلية، والتي تشير إلى مصادرة 14,635 بطاقة في الفترة ما بين 1967 وشهر آب 2017 (جزء من هذا الرقم يمثل هويات أرباب الأسر)؛ وهذا يعني سحب هوية الأفراد المسجلين ضمن هوية رب الأسرة بشكل تلقائي؛ وعليه فان عدد الأفراد الذين تم سحب هوياتهم أعلى من هذا الرقم بكثير. 

عدد بطاقات الهوية المقدسية المصادرة، 1967-2020

السنة

عدد الحالات

1967-1976

1442

1977-1986

1405

1987-1996

1061

1997-2006

4361

2007

229

2008

4577

2009

720

2010

191

2011

101

2012

116

2013

106

2014

107

2015

84

2016

95

2017

35

2018

13

2019

40

2020

18

المجموع

14701


وحسب “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” في كتاب القدس الإحصائي السنوي في تموز2021، لا زالت البيانات عن مصادرة وإلغاء بطاقات الهوية المقدسية تستند بشكل أساسي على ما يتم الإعلان عنه رسميًا من خلال وزارة الداخلية الإسرائيلية، والتي تشير إلى مصادرة 14,701 بطاقة في الفترة ما بين 1967 وحتى 2020 (جزء من هذا الرقم يمثل هويات أرباب الأسر)؛ وهذا يعني سحب هوية الأفراد المسجلين ضمن هوية رب الأسرة بشكل تلقائي؛ وعليه فان عدد الأفراد الذين تم سحب هوياتهم أعلى من هذا الرقم بكثير.

ونشير أخيرا أن رفضنا لسحب بطاقات هويات الفلسطينيين المقدسيين ليس تمسكا بهذه البطاقات وإنما حرصًا على بقائهم في مدينتهم وبيوتهم التي يحاول الاحتلال تهجيرهم منها، لتهويدها.

مجلة لقاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

عاجل

هدنة انسانية في غزة تبدأمن يوم الغد