أبعاد تحويل أجور العمال داخل إسرائيل عبر البنوك الفلسطينية
مقدمة
أعلنت سلطة النقد الفلسطينية، أن أجور العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل ستُحول عبر البنوك الفلسطينية، وهو ما توصلت إليه سلطة النقد بالاتفاق مع إسرائيل.
يبلغ عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل، حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. أكثر من 131 ألف عامل، ومعظمهم من مناطق الضفة الغربية. يتقاضى الجزء الأكبر منهم أجره من المشغل مباشرةً، وهي السياسة التي سعت سلطة النقد لإنهائها.
ثمة تصريحات مختلفة حول الإعلان والتحديات التي تقف أمام تنفيذه. فمن جهة تعتبره سلطة النقد إنجازًا مهمًا لتجاوز أزمة فائض الشيكل في المصارف المحلية، ومن جهة أخرى فإنه يعتبر فرصة مهمة لحصر العمال، والكتلة النقدية لعملة الشيكل في السوق الفلسطيني. كما أن تنفيذ هذه السياسة له أثر مباشر على الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني، ولكن هذا الإعلان يتناقض مع قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية “فك الارتباط” مع الاقتصاد الإسرائيلي.
العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل
يتوزع العاملون الفلسطينيون في منشآت ومشاريع إسرائيلية، على ثلاث فئات: حملة تصاريح عمل رسمية للعمل داخل إسرائيل، ويبلغ عددهم حوالي 93 ألف عامل، أي ما نسبته 71% من عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل؛ لا يحملون تصريحًا رسميًا للعمل، ويبلغ عددهم أكثر من 28 ألف و600 عامل، ويشكلون ما نسبته 22%؛ حملة بطاقة إسرائيلية أو جواز سفر أجنبي، ويبلغ عددهم 9 آلاف و200، وتقدر نسبتهم بحوالي 7% من إجمالي العاملين.[3]
إضافة إلى ما ما سبق، هناك 28 ألف عامل داخل “المستوطنات” المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967[4]، ويحملون تصاريح عمل رسمية من الجانب الإسرائيلي.[5]
يلاحظ أن عدد العاملين داخل إسرائيل ارتفع من 121 ألف في الربع الأول من العام 2018، إلى 131 ألف عامل في الربع الرابع من نفس العام، أي بنسبة زيادة تصل إلى 8.2%، إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في عدد العاملين داخل المستوطنات، إذ ارتفع بلغ عددهم في الربع الأول من نفس العام من 17 ألف و600 عامل وصولًا إلى 28 ألف عامل في الربع الرابع، وبنسبة تزيد عن 59%.[6]
يستحوذ قطاع البناء والتشييد على نسب العمالة الفلسطينية الأكبر من بين القطاعات الإسرائيلية، حيث يُشغّل ما نسبته 66% من العاملين الفلسطينيين داخل إسرائيل، ويبلغ متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني داخل إسرائيل والمستوطنات 238 شيكلًا في اليوم، وبمعدل ساعات عمل أسبوعية 40.7 ساعة، ومعدل أيام عمل شهرية حوالي 20 يومًا.[7]
تحويل الأجور
أكد رياض أبو شحادة، نائب محافظ سلطة النقد، أن سلطة النقد جمعت أسماء 120 ألف عامل لتحويل أجورهم عبر البنوك العاملة في فلسطين، لكنه لم يحدد وقتًا معينًا لبدء التنفيذ[. في حين صرّح سامر سلامة، وكيل وزارة العمل الفلسطينية “أن هذا الاجراء يأتي تمهيدًا لتطبيق قانون الضمان الاجتماعي، الذي سيكون مظلة لحقوق العمال الفلسطينيين”. وأوضح أن القرار سيشمل العمال الذين يحملون تصاريح رسمية، ويعملون داخل إسرائيل بشكل منتظم.
من جانبه، رأى شاهر سعد، الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين أن هذا القرار يسهل عملية تقاضي الأجور، بحيث تحول للعمال الذين يملكون تصريحًا قانونيًا عبر حسابات مصرفية خاصة بهم، دون المساس بالأجور أو الخصم منها، و”أن هذا القرار اتخذ بعد موافقة عدد كبير من العمال”، مضيفًا أن سلطة النقد قد أجرت تجربة مسبقة لمدة ثلاثة أشهر بنجاح.
في المقابل، منعت وزارة المالية الإسرائيلية المشغلين من دفع أجور العمال الفلسطينيين التي تزيد عن 11 ألف شيكل شهريًا نقدًا إلى العامل مباشرة. وبحسب الاتفاق بين مصلحة الضرائب الإسرائيلية ووزارة المالية الفلسطينية. بتاريخ 6/11/2018، فإن عملية التحويل لهذه الفئة يجب أن تتم عبر البنوك. ومن جهتها اعتبرت وزارة العمل الفلسطينية هذه المرحلة هي الأولى في قرار التحويل، وسوف تشمل 20 ألف عامل.
الدواعي الفلسطينية
ارتأت سلطة النقد بأن قرار تحويل أجور العمالة الفلسطينية يصب في مصلحة العامل والسلطة معًا، بحيث تعمل على معالجة ثلاث قضايا رئيسية، وهي:
أولًا: مشكلة الفائض في عملة الشيكل
هي إشكالية قائمة نتيجة تراكم النقد من عملة الشيكل في البنوك الفلسطينية، ولا تزال إسرائيل تماطل في تحويل هذا الفائض متحججة بتلفه، أو بعدم معلومية مصدره، وهي بذلك تخالف التزامها ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي ينظم المعاملات الاقتصادية بين الطرفين.[13]
يشكل الفائض في عملة الشيكل أحد أهم المخاطر التي تسعى البنوك الفلسطينية وسلطة النقد لتجنبها؛ وذلك لارتفاع تكاليف التخزين. وما يترتب عليها من إجراءات الأمن والسلامة (بشرية، مادية، برمجية). إضافة إلى أن عملية التأمين على موجودات الخزنات عملية معقدة. ومرتبطة بالمبالغ غير المتداولة في هذه الخزنات. وفي حال زيادة هذه المبالغ فإن بوليصة التأمين لا تغطي هذا الفائض. فيما يسبب تراكم النقد في البنوك خسائر نتيجة ترتيبات التحويل المعقدة بعشرات الملايين من الشواكل على الاقتصاد الفلسطيني لبطء دوران رأس المال.
ثانيًا: الكتلة النقدية
لم يصدر عن سلطة النقد أي بيانات رسمية تفيد بالحجم الدقيق للكتلة النقدية من عملة الشيكل في السوق الفلسطيني. ويقدر التدفق النقدي للسوق الفلسطيني من إسرائيل بحوالي 30 مليار شيكل سنويًا عبر مصادر عدة، وهي: تحويلات العاملين الفلسطينيين في إسرائيل وتبلغ 13 مليار شيكل، وتشكل ما نسبته 44%؛ تحويلات المقاصة وتبلغ 10 مليار شيكل. وتشكل ما نسبته 33%؛ بقية التدفق النقدي يتوزع بين صادرات فلسطينية لإسرائيل ومشتريات من الأسواق الفلسطينية عبر فلسطينيي الداخل.
يتضح من الأرقام السابقة أهمية السيطرة على التدفقات النقدية الواردة عبر العمالة الفلسطينية في إسرائيل في حساب الكتلة النقدية بدقة.
ثالثًا: حماية حقوق العمال
يعتبر هذا الإجراء مطلبًا أساسيًا بالنسبة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين منذ سنوات، وذلك لتعرض العامل الفلسطيني للابتزاز والسرقة من المشغل الإسرائيلي، وعدم حصوله على حقوقه المالية حسب قانون العمل الإسرائيلي، وأهمها تطبيق الحد الأدنى للأجور، والبدلات الأخرى.[16]
الدواعي الإسرائيلية
لجأت إسرائيل إلى هذا الاتفاق لدعم توجهاتها بتوقيف العمل بالنقد، واستبداله بوسائل الدفع الإلكتروني. بهدف محاربة التهرب الضريبي، وغسيل الأموال والتجارة غير المشروعة، وتداول العملة المزورة. إضافة إلى تقليل تكلفة إدارة النقد لديها، فضلًا عن ضمان أمنها من خلال متابعة العمالة غير الرسمية.
أبعاد تحويل أجور العمال
يشكل القرار في مضمونه أبعادًا مختلفة لكافة الأطراف، ويتضح ذلك من خلال انعكاساته، سواء على الاقتصاد الفلسطيني أو الإسرائيلي، التي يمكن إجمالها بما يأتي:
فلسطينيًا
أولًا: السلطة الفلسطينية:
- يتيح لسلطة النقد التخلص من فائض عملة الشيكل في البنوك المحلية بشكل منظم، وبالتالي التخفيف من مخاطر تخزين العملة الورقية والمعدنية وعدم تداولها.
- يُمكِّن سلطة النقد من قياس الكتلة النقدية في السوق الفلسطيني بدقة، عبر ضبط مصادر التدفقات النقدية، وبالتالي التخلص من مصادر الأموال غير المشروعة.
- يحقق جزءًا مهمًا من هدف سلطة النقد نحو تحقيق الشمول المالي[18] في فلسطين.
- ضمان تحويل اقتطاعات ضريبة الدخل على العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل للفلسطينيين حسبما نص بروتوكول باريس.
- معرفة حجم وطبيعة الاقتطاعات على أجور العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل.
ثانيًا: البنوك الفلسطينية:
فرصة مهمة لتعويض التراجع في حجم الودائع في البنوك[19]، إذ سيُعوّض النقص عبر فتح حسابات مصرفية للعمال، والاستفادة من الرسوم المفروضة على إدارة الحساب، فضلًا عن قدرتها على تحقيق الاستقرار النقدي بين العملات.
ثالثًا: العمالة الفلسطينية:
- يتيح لها الاستفادة من التسهيلات الائتمانية عبر البنوك بضمان الأجور المحولة.
- يُمكِّن العامل الفلسطيني من إثبات حقوقه من المشغل الإسرائيلي لوجود علاقة مصرفية بين الطرفين.
- ضمان حصول العامل على أجره ومستحقاته “الأتعاب” كاملة حسب قانون العمل والعمال الإسرائيلي. وفي هذا السياق، كشف سليم نخلة، مدير مكتب العمل في محافظة رام الله، بتاريخ 8/2/2017، أن المشغل الإسرائيلي يحرم العامل الفلسطيني من جزء كبير من مستحقات نهاية الخدمة، وذلك بتسجيل قيمة راتب أقل للعامل على قسيمة الراتب، وبالتالي تُحسب “الأتعاب” للعامل في نهاية الخدمة بناء على الأوراق الرسمية المسجلة.[20]
- حصر العمال بشكل رسمي لاعتماد استحقاقاتهم في الصندوق التكميلي للعاملين.[21]
- ضمان تحويل حقوق العاملين لصندوق الضمان الاجتماعي، ومنها إجازات الأمومة، والإصابات، والعجز، والوفاة، ونهاية الخدمة وغيرها، إذ تقوم إسرائيل باقتطاعها وتحويلها للخزانة الإسرائيلية بعد خصمها من العمال.[22]
إسرائيليًا
- توافر البيانات حول التدفقات النقدية بين إسرائيل وفلسطين، وتخفيف التعامل بالأوراق النقدية (الكاش) لأقل حد، دعمًا لتوجهات البنك المركزي الإسرائيلي ووزارة المالية.[23]
- السيطرة على العمالة غير الرسمية، والتقليل من توسع الاقتصاد غير الرسمي.
- حماية المشغل الإسرائيلي من تبعات قانون مكافحة الإرهاب بتشغيل عمال غير رسميين.
- يعزز من تدفق العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل، وهي في مجملها عمالة ماهرة ولديها معرفة بظروف العمل في البيئة الإسرائيلية، وقليلة التكلفة مقارنة بالعمالة الأجنبية من ناحية الأجور والإقامة والرسوم والضرائب، إذ تفرض سلطة الضريبة في إسرائيل حوالي 10-20% من أجرةالعامل الأجنبي كرسوم إضافية.[24]
- محاربة التهرب الضريبي وغسيل الأموال، والتجارة غير المشروعة، وتداول العملة المزورة، عبر ضبط التدفقات النقدية من خلال المعاملات الإلكترونية.
كما يشكل القرار استفادة لجهات أخرى، أهمها: اتحادات ونقابات العمال، بحيث تكون أكثر قدرة على ممارسة دورها النقابي، في ظل وضوح الكثير من التفاصيل المتعلقة بالعمال بعد أن كانت مبهمة، بسبب غموض العلاقة بين العمالة الفلسطينية والمشغل الإسرائيلي.
تحديات تحويل أجور العمل
هناك تحديات داخلية وخارجية تكتنف قرار تحويل أجور العمالة الفلسطينية إلى البنوك، أهمها:
أولاً: التحديات الداخلية
- يتناقض هذا القرار مع قرار اللجنة التنفيذية للمنظمة “بفك الارتباط” مع الاقتصاد الإسرائيلي.[25]
- تعامل الجهات الفلسطينية الرسمية مع العمالة الفلسطينية داخل المستوطنات، في ظل عدم قانونية وجودها على الأراضي المحتلة العام 1967.
- توقيف العمال الذين لا يحملون تصريحات عمل رسمية العمل، ما يزيد من معدل البطالة.
- التخوف من رفض العمال للقرار خشية من فرض ضرائب عليهم.
ثانياً: التحديات الخارجية
- الاستغناء عن عمال فلسطينيين بسبب زيادة الأعباء المالية على المشغل الإسرائيلي.
- استخدام إسرائيل أجور العمال كأداة للضغط على السلطة كما يحدث مع أموال المقاصة.
- التبعات المترتبة على وقوع أي حدث أمني مرتبط بالعمال في المستقبل.
خاتمة
يشكل القرار من وجهة نظر إداريين واقتصاديين “فرصة” لحل الإشكاليات التي تواجه سلطة النقد الفلسطينية ووزارتي العمل والمالية. ويحقق فوائد للنقابات العمالية والبنوك الفلسطينية. إلا أن تنفيذ القرار يتطلب الأخذ بعين الاعتبار المسائل المتعلقة بالعمال الفلسطينيين الذين لم يحصلوا على تصريح عمل رسمي. والموقف من العمالة الفلسطينية في المستوطنات. كما أن القرار يعني أنه لا توجد خطة للانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي.
يترتب على القرار بعض التحديات التي قد تواجه السلطة الفلسطينية، ومن أهمها: استخدام الأجور كأداة ضغط ومساومة وابتزاز للسلطة الفلسطينية والعمال، مثلما يحدث حاليًا في تحويل أموال المقاصة، خصوصًا مع عدم وجود طرف ثالث، أو ضمانات بعدم التعرض لحقوق العمال، أو الاستقطاع منها، وعدم ربطها بأي أحداث سياسية أو أمنية قد تحدث مستقبلًا.
الكاتب سعيد الاغا |